Close
مشروع الإسلام السياسي في التطور التاريخي و المعاصر

مشروع الإسلام السياسي في التطور التاريخي و المعاصر

في منتصف القرن 19م كانت الدولة العثمانية على مشارف الشيخوخة، وكان وضعها قد بدا واضحاً للعيان، إذ لم تستطع وقف الزحف الاستعماري الأوربي على أجنحة العالم العربي، وبدأ الاستعمار بتسويق حضارته إلى العالم الإسلامي وفقاً لمخططٍ تبشيري أراد أن يكون منفذوه من أبناء العالم العربي والإسلامي. وتأثر بهذا الاتجاه الأوربي حاكم مصر محمد علي باشا(1805-1849م) الذي اتسمت جهوده بإلخروج عن التكوين السياسي والفكري العثماني، والاتجاه نحو فرنسا. نلاحظ ذلك الإسراف في التوجه السياسي والفكري لأبنائه الذين حكموا مصر من بعده (1849-1952م)، وكان نصيب فرنسا من البعثات المصرية إلى أوروبا في عهد محمد علي باشا وأبنائه النصيب الأكبر. كانت المقدمات لذلك التوجه هو قيام فرنسا بغزو مصر عام 1798م، وأحدث الغزو هزةً عنيفةً في عقول أبناء مصر، وكان (رفاعة رافع الطهطاوي) الذي ذهب إلى فرنسا كإمام لبعثةٍ مصرية تتلقى تعليمها عام (1826-1831م) وعبر عن رحلته التي فرضت عليه البقاء في فرنسا خمس سنوات في كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، وقد ألقى بنفسه في خضم الدراسة بحماس ونجاح، فتعلم اللغة الفرنسية وقرأ كتباً كثيرة في التاريخ والفلسفة الإغريقية، والجغرافيا، والرياضيات، والمنطق، واطلع على سيرة نابليون وبعض الشعر الفرنسي، كما اطلع على مؤلفات فولتير، وكوندياك، وكذلك كتاب العقد الاجتاعي “لروسو” ومؤلفات “مونتسكيو” وترك عصر التنوير الفرنسي بصماته عليه، وأشار في كتابه إلى الإبداع الذي انبهر به ، فالفرنسيون، كما يقول ” يتقنون صناعتهم ومن طبائعهم التطلع للأشياء الجديدة وحب التغيير والتبديل في كل الأمور.. ويوجه الطهطاوي نقداً لاذعاً للحياة الاجتماعية الفرنسية فهو يقول إن الرجال عندهم عبيد النساء، ومن خصالهم الرديئة قلة عفاف كثير من نسائهم وانعدام الغيرة في رجالهم، وكأنه أراد أن يصيغ مشروعاً حضارياً يقوم على مسوغ فكري حديث وجديد يأخذ من الحضارة الأوربية ما هو مقبول، ما لم يتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية في سبيل نهضة عربية جديدة

عبد الوهاب العقاب