Close
رحلة صالح

رحلة صالح

 سَحبتُ حقيبتي مبتعدًا عنهما، وبدأ يوخزني قلبي كثيرًا؛ ليس فقط لرحيلي عن داري، وابتعادي عن أهلي، ولكنْ كذلك لتركِ عملي وحرفتي وصنعتي، التي تعلمتها ليس في المدارس أو الكليات، لكنْ بالتوارث وبالجهد والعمل اليومي المتواصل، وبحبِّ هذه الأرض، وبالاستماع إلى توجيهات أبي الذي لم أتجرأ أو أقدر حتى على وداعه في هذا الصباح نظرتُ نظرة أخيرة؛ وأنا أبتعد؛ إلى أهلي وإلى داري، وقريتي الصغيرة بأعدادها من السكان؛ الضئيلة والقليلة والمتناقصة دومًا وبانتظامٍ، إلى مكانٍ يحمل ذكرياتي، ويرسم صورة تقبع في ردهة ما في ذهني من دورٍ وأكواخٍ بسيطة من الطابوق والخشب والطين مبعثرة ومعزولة وسط بساتين عامرة وأشجار باسقة ممتلئة بأنواع الفاكهة، تجوبها الطيور وتخترقها الدواب والماشية، في خضم إيقاع زمني بطيء ثقيل وحزين، يتخلَّله أصوات تذكِّرنا بالحياة من ثغاءٍ، ونهيقٍ وهديلٍ ومن تغريدٍ ودويٍ، من خوارٍ وصهيلٍ ومأمأة ونقيق، وكثيرٍ من عويل الكلاب، وتزخرف حواشي صورة رمزية تمثِّل ماضيًا أثيرًا بطيئًا يبتعد، ومستقبلًا غامضًا موعودًا يقترب أكثر فأكثر كلما سرتُ في اتجاهه طلبًا له

خان السلمان