Close
جحود

جحود

غادرنا وطننا في كنف الظلمة المعهودة، وخلَّفناه وراءنا؛ لنقترب من الغربة المضيئة. صاحت أمي: «يا لها من أنوار كثيرة!» كما لو كان هذا بمثابة الدليل على أننا مُقبِلون على مستقبل مضيء. لم تكن مصابيح إنارة الشوارع تُومض بنور برتقالي باهت كما هو الحال لدينا، بل كانت تشع ضوءًا مُبهرًا مثل كشَّافات السيارة. غمر أمي شعور متعة الهجرة كُلية؛ حتى أنها لم ترَ أسراب البعوض، والخنافس الطائرة الصغيرة، والعُثَّة التي كانت تحوم حول قمة المصابيح، وتلتصق بها، وترفرف بجناحيها، وتركل بساقيها رغبةً في البقاء على قيد الحياة؛ حتى تحترق بعد أن تنجذب نحو الضوء الذي لا يعرف الرحمة، فتهوي على الشارع النظيف. كما يلتهم ضوء الغربة الساطع النجوم بدورها

إرينا بريشنا